ديسمبر 23, 2024

بقلم: أ.د. محمد عبدالرحيم سلطان العلماء

في سيرته الذاتية الرائعة (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً)، وبمداد الوفاء وعبقرية الفنان يرسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، صورة عميقة التأثير للسلوك الأخلاقي لجده طيب الذكرى الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، رحمه الله، ذلك الرجل الذي قاد رحلة البحث عن دبي الحديثة، ووضع ملامح الحكم الرشيد فيها حين فتح أمامها آفاق التجارة، وأدخل الكهرباء، وتضاعف في عهده عدد سكان دبي ثلاث مرات، غير أن أكبر مناقبه وأعظم إنجازاته، بحسب عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كانت سيرته وعلاقته مع شعبه، كان يحبهم ويحبونه، ولم يحكم، رحمه الله، بالخوف بل بالمحبة والرحمة، ثم يذكر تلك اللحظات المؤثرة حين أسلم هذا القائد النبيل روحه بعد صلاة الفجر، وكيف كان الرجال والنساء ينتحبون وهم يودعون هذا الفارس الرحيم، وكيف أن الجموع الغفيرة ودعته إلى مثواه الغفير، ليعلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على هذا المشهد بعبارة تلخص سيرة آل مكتوم مع شعبهم الذي يحبهم حين قال: «علمتنا خدمة الناس يا أبا راشد، رحمك الله».

وعلى خُطى هذا الفارس النبيل من فرسان مكتوم، سار وارث مجده طيب الذكرى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، ذلك الرجل الذي تعجز الكلمات عن تعداد مناقبه، التي رسخت ذكراه الطيبة في وجدان شعب الإمارات، وبذل في سبيل رفعة دبي من الجهود الكبرى ما جعله يفوز بمحبة أهلها، الذين يعترفون بلسان الحال والمقال: إنه هو مهندس دبي وباني نهضتها الحديثة، حيث امتاز بالجرأة في اتخاذ القرارات ومسابقة الظروف في جعل دبي وجهة عالمية، لكن هذا الانخراط في العمل لم يكن على حساب إنسانيته الفريدة، والتي قص طرفاً رائعاً منها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في سيرته الذاتية (قصتي)، حيث سلط الضوء على الحس الأخلاقي الرفيع، الذي كان يسوس به والده الحياة السياسية والإدارية في دبي، ويؤكد عمق علاقته بشعبه، من خلال صهر المسافة بينه وبينهم، فقد كان قريباً منهم، وكان ديوانه في قصر زعبيل هو ملتقى رجالات دبي بعيداً عن بروتوكولات الحكم وتقاليد الترتيبات، لا بل يذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم جولة والده الصباحية على حصانه الصقلاوي على مرافق الحياة في دبي، وكيف كان يباسط المهندسين والعمال التنفيذيين، ويشاركهم مهمة الارتقاء بدبي، من خلال المشاركة الفعلية، وليس من خلال نافذة عاجية في قصر شامخ البنيان.

كان لهذا السلوك النادر من لدن الشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، أعمق الأثر في بناء شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي حمل مبادئ والده وقيم أجداده، وجعلها واحدة من أهم المدارس، التي أثرت في بناء شخصيته الذكية الجسورة، وتجلى ذلك في طبيعة علاقته مع أبناء شعبه، حيث ظل عميق الشعور بالقرب منهم، وفتح لهم أبواب الوصول إليه، فضلاً عن الجلسات الأسبوعية، التي يجتمع فيها أهل الرأي والمشورة من رجالات دبي، مؤكداً مواصلة السيرة والمسيرة، التي اختطها آل مكتوم، منذ بزوغ نجم دبي، الذي لا يزداد على مرور الأيام إلا توهجاً، وإن القلم ليقف عاجزاً عن إحصاء المواقف، التي تؤكد عمق العلاقة بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وأبناء شعبه، فهم أكبر همومه، ومن أجل سعادتهم واصل سهر الليل بتعب النهار، يفرح بفرحهم، ويؤلمه أن يرى فيهم ما يوجع القلب، وما زال على هذه السيرة الحميدة في ترسيخ مقاليد الحكم القائم على الصدق والبساطة والعلاقة الطيبة بين القائد وشعبه.

ولأن «مَنْ أشبه أباه فما ظلم» فقد سار سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، حفظه الله، على خُطى والده الكبير، وصَهر المسافة بينه وبين مواطني دبي، فكان القريب منهم بأخلاقه الرفيعة، قد سكن في أعمق قلوبهم، بسبب ما عُرف به من نبل الأخلاق ولطف التعامل مع أبناء شعبه، وها هو يُعيد سيرة آبائه وأجداده حين أشرع ديوان قصر زعبيل لأبناء الوطن في سبيل تجفيف منابع الروتين وعقبات البروتوكول، وتجسير المسافة بين المواطن والمسؤول، وعبر عن غبطته بهذا اللقاء من خلال تدوينة عابقة بالمحبة كتبها على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي، يؤكد فيها حرصه على لقاء كبار رجال الدولة والمواطنين في نفس المكان، الذي كان جده طيب الذكرى يلتقي فيه أبناء شعبه، لمناقشة أهم القضايا والمواضيع في مسيرة دبي، فضلاً عن الاطلاع على أبرز المشاريع، التي تنهض بها الحكومة، مؤكداً أن سر قوة دبي ونجاحها الدائم هو بسبب هذا التواصل المباشر بين القيادة ورجال الدولة والمواطنين، لأن هموم المواطنين هي الهاجس، الذي لا يفارق سموه، فهي على رأس أولويات الحكومة، مستلهماً النظرات السديدة لوالده رفيع المقام، الذي علم أبناءه الكرام أنهم من الناس، ويعملون من أجل الناس الذين أحبوهم، ووضعوا أيديهم في أيدي قادتهم من أجل بناء دبي، والارتقاء بها حاضراً ومستقبلاً.

كبيرة هي دبي بهؤلاء القادة الفرسان، الذين نذروا حياتهم لخدمة الوطن، وتأمين أفضل أنماط الحياة للمواطنين، وستبقى دبي واحة أمن وتقدم وازدهار، في ظل هذه القيادة المتفانية في حب دبي خاصة، وحب الإمارات كلها، محافظة على سيرة الأجداد ومسيرة العمل والبناء.

نقلًا عن «البيان» الأماراتية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *