ديسمبر 23, 2024
الكاتب علي محمد الشرفاء

الكاتب علي محمد الشرفاء

لقد وصف الله سبحانَه رسولَه بقولهِ: « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» «الأنبياء: 107» إنك يا محمد بما تقرر تكليفك به تحمل رسالة الله للناس جميعًا أن ينشروا الرحمة بينهم يتعاملون باللطفِ والألفة التي تقرّبهم لبعضٍ وتسدُّ أبواب الفتنِة وتمنع الشيطانَ من تحقيق أهدافهِ في خلق البغضاء والكراهية بين الناس.

وبذلك تسد أبواب الشر حيث أن الله أرسل رسولهَ عليه الصلاةُ والسلامُ بالرحمة والعدل لكل البشر دون تمييز، وأصبحت الرحمة والعدلُ هما الميزانُ الحقيقيّ الذي يُقاس عليه انتماءُ الإنسانِ للإسلام، وما تحمله الرحمة من أسمى معاني الإنسانية من تعاطف مع الضعيف ومدّ يدِ العونِ للمساكينَ، ومساعدةِ الفقراء، وكفكفة الدموع عن البائسين وتحريم الظلمِ والمحافظة على حرية الإنسان في عقيدتهِ وعدم الاعتداء على ممتلكاته والوقوف مع الحق وعدم البغيِ والطغيانِ على الناس وقتلِ الأبرياء.

والله يأمر المسلمينَ بقولهِ سبحانه: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» «المائدة:2» فالتعاون يحقّق لهم تبادل المصالح ويضع أسساً لاستمرار الاستقرارِ والأمانِ لتستمرَّ المصالحُ بينَ الناسِ تنمو وتكبر ممّا يجعل الناس يشتركون في الدفاع عن استقرار أوطانِهم لاستمرار تدفّق الخيرات من جَراء التعاون فيما بينَهم الذي يجعلهم متوحّدين في حماية وطنِهم لتستمرَّ مكاسبُهم والمحافظة على مصالحِهم وتنميتِها.

فالله يحرِّم العدوانَ، ويتوعَّد المعتدينَ بعذابٍ أليم في الدنيا والآخرة، فالله يخاطب الذين ضلّوا الطريق المستقيم واتَبعوا خطواتِ الشيطان في بغيهم على الناس، والاعتداء على أرواحهِم والاستيلاء على أموالهم يفسدون في الأرض ويرتكبون المعاصي والآثامَ بعدوانِهم وطغيانِهم على الناس ويحذرهم اللهُ سبحانَه بقوله: « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» «الشعراء: 227».

وحينما نضع ميزانَ الرحمة والعدل التي كلّف اللهُ بها رسولهَ الأمينَ بدعوة الناس للتعامل بهما بينَ الناسَ معياراً للمسلمِ الصادقِ، فماذا هو المعيارُ للمسلمينَ الّذين يقتلون الناس ويشرّدون الثكالىَ ويسفكونَ دماءَ الأبرياءِ ويفسدونَ في الأرض طغياناً وظلماً وعدواناً بدون وجهِ حقٍّ يمارسون الإرهاب في المجتمعات الآمنة، ويثيرون الفَزَعَ والخوفَ لدى المواطنين؟

فهل أولئك الإرهابيونَ ينتمون لرسولِ الرحمةِ والعدلِ والسلامِ وهل يتبعون ما أنزلَه اللهُ عليه من آيات تدعو للعدلِ والإحسانِ والسلام والتعاونِ؟ وتحريمِ العدوانِ على الناس اتباعاً لأمر اللهِ للمسلمينَ، والاقتداء  برسول الله بقوله سبحانَه : (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا) الأحزاب (21).

أليست هذه الآيةُ تأمرُ الناسَ بالتأسّي بأخلاق الرسول عليه السلام، واتباعِ خطواتهِ في كلّ الأفعال والمعاملات، لكلّ مَن يؤمن يرجو لقاءَ اللهِ في اليوم الآخر وليذكروا الله في كلّ لحظة من حياتهم ليحصّنهم من ارتكاب المعاصي والذنوب التي حرّمها الله على الناس ذلك هو المعيار الحقيقيّ للمسلمُ، فَمنْ لم يتّبع الرسولَ في سلوكياتهِ وأخلاقياتهِ ومنهجهِ في التعامل مع الناس ولم يذكروا الله قبل ارتكاب المعصية وكبح جماح النفس الأمّارة بالسوءِ من الوقوع في شهوةٍ شيطانيةٍ تزيّن للناسِ أعمالَهم المحرّمة عليهم، تمنعهم من الوقوع في المعصية مخافة الابتعادِ عن شرِعة اللهِ ومنهاجهِ، فليستعدّوا لمواجهةِ نتائجِ سلوكهِم وأفعالهم في الدنيا والآخرة عندما تسوقهُم خَزنةُ النارِ الى جهنّم حيث يصفُ اللهُ سبحانَه ذلك المشهدَ الرهيبَ كما قال الله سبحانه: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُوا بَلَى وَلَـكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿71﴾ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿72﴾) الزمر (71-72).

فأين الرحمةُ والعدلُ في قلوب الإرهابيّين والفِرَق الضَّالةِ بكلّ طوائفهم، أولئك الأشقياءُ الذين يُفسدونَ في الأرضِ ويهدّدون الآمنينَ وَقتلِ المسالمينَ، هلْ أعمالهُم تمّثل تطبيقاً لمقاييسِ الرَّحمة والعدلِ وتستيقظ ضمائرُهم في قلوبهم؟

كلّا لقد ماتت ضمائرهم، وتوحَّشت قلوبُهم وقَستْ نفوسهُم المريضةُ  فأصبحوا لا ينتمونَ لرسولِ الإسلامِ، ولا يقتدونَ بسيرتهِ وقد خَرجوا على شَرع اللهِ وهم يحاربونَ اللهَ ورسولَه، أغراهم الشيطان بارتكاب تلك الجرائم التي تتناقض مع آيات القرآن وتشريعات الرَّحمن وضلّلهم شيوخُهم وأئمتُهم صنائعُ الشيطانِ وأتباعهِ الذينَ ساقوهم إلى طريقِ الضلال وزيَّن لهم سوءَ أعمالهم فسقطوا في حبائل الشيطان وضلّوا عن الطريق المستقيم.

لقد مرقوا من الإسلام، وانقطعت صلتهم بكتاب الله وتعليماته لعباده، وما يقومون به تحت شعارات إسلامية بارتكاب جرائم إرهابية، في جمهورية مصر العربية، وغيرِها من الدول الإسلامية ودول العالم، إنما هو عمل شيطاني ارتضوا لأنفسهم بأن يكونوا من أتباعِ الشيطانِ الذي يغوي أعوانه ويزيّن لهم إجرامَهم، حتى إذا جاء يوم الحساب يصفُ الله سبحانَه حين تخلّي الشيطانُ عنهم بقوله: «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (إبراهيم: 22).

فأُسقطَ في يدهم وأدركوا بأنّهم خُدعوا فَندموا وحزنوا لأنهم لم يجدوا مما وعدهم الشيطان شيئا من حُور العِينِ وحياةِ النعيمِ فأخذوا يتوسّلون لله وهم يبكونَ فيقولونَ كما وصفهم الله سبحانهَ في يوم الحساب: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) السجدة (12).

فهيهاتَ أيها المجرمونَ تَرجعونَ لقد طُويتْ الصُّحفُ عندَ موتِكم وصدر الحكمُ العادلُ فيما ارتكبتم من المعاصي والذنوب فجزاءُكم جهنّم بما كنتم تفعلون فيجيبهم الله سبحانَه بقوله: (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) السجدة (14).

فلن تنفعهَم رواياتُ الشياطينِ وأكاذيبُ شيوخِ الدّين، ولا من يسمّونَهم بالعلماء أصحاب الأوهام والأساطير الحالمين حينها  الذين أغروهم بارتكاب الجرائم بالروايات المفتراة على الرسول، وَأوهمُوهم بأن ذلك هو الحقّ المبينُ في قتل الأبرياءِ وإرهابِ الآمنينَ، وأشعلوا في نفوسهم الكراهية ضدَّ أبناء وطنهم، يحاربون دولتَهم ويسعون لإسقاطها لصالح أعداء الإنسانية وأعداء الحرية والسلام.

فأينَ يذهبونَ بعدَما تلطّخت أياديهم بدماءِ الأبرياء؟ والله سبحانه يناديهم قبل موتهم بقوله: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ» (الحديد: 16).

ألم يَأْنِ للمسلمين أن يتّقوا اللهَ، ويكفوا أيديهم عن إخوانهم ويوقفوا عدوانَهم على بعضهم! ويرجعوا إلى كتاب الله قرآنه المبين الذي  يدعو الناس جميعاً الى سبيل الخير والعيشِ الكريمِ في ظلّ الأمن والسلام ودعوة التعاون والتراحم ونبذ الخصام.

ألم يَأْنِ للذى يدّعي بإعادة الخلافة معيّناً نفسَه خليفةً للمسلمين، ليستعمر الوطن العربي، الذى عاث فيه أجداده العثمانيون قتلًا وفسادًا؛ ليعيد الماضي الأسودَ والبغيضَ مّرة أخرى ليتحكّم في الوطنِ العربيِ ويستنزفَ ثرواتِه، وهو الذي احتضن الفِرقَ الإرهابيةَ ودربتهُم مخابراتُه وقدَّم لهم السلاحَ والمالَ ليعيثوا في الدول العربية قتلًا وفسادًا وتدميرًا؛ أمثالَ داعشَ والإخوانِ والقاعدةِ والنصرةِ وغيرهم، من الفئات الظالمة الضالة. رافعًا شعارَ الإسلام دون أن يخشى الله في إجرامه ضدّ أبناء الشعب السوري والشعب الليبيّ والشعب العراقي، ألم يخَفْ عقابَ اللهِ أن يأتِيهَ من حيث لا يَحتسبُ!

ألا يتعظُ بإنذارِ اللهِ بُجندٍ من جنودِه ينشرُ الموتَ في كلّ مكان، حيث لا يمنعُ قضاءَ اللهِ  الأسوارَ ولا الحُراسَ ولا الجيوشَ بأسلحتَها الفتّاكة!

حين يسلّط اللهُ غضبه وعقابَه بما ارتكبه من جرائمَ في قتل الآلافِ من أبناء الشعب السوريّ، وتشريدِ الملايينِ وسَفْك دماءِ الأطفال، هل ما يقوم به الخليفة العثمانيّ الجديد من غدر وخِسّة وغزوٍ للأوطانِ باسم الإسلام أو الإيمان.

فَمتى يعود المسلمونَ للحَقّ واللهُ سبحانَه يريهم آياته ويُنذرُهم بها في قوله تعالى: « وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)» (الأنعام).

فلماذا لا يعتبر الناس بأحداث الأمم السابقة، وما أَنزل اللهُ عليهِم من العذاب نتيجةً لظلمِهم وطغيانِهم وارتكابِهم مختلفِ الجرائمِ ضدَّ الانسانيةِ وممارسةِ البغيِ والعدوان، ألم يَرَ الغزاةُ والجبابرةُ كيف قصم الله ظهورَهم وأنهزمت جيوشهم وانهارت قواهم وعظمتهم بقوة الله وقدرته هذه، بريطانيا التي تَندُبُ حظّها العاثر وتبكي على ماضٍ لا تستطيع إعادتَه بأمجادِه وانتصاراته بعدَ ما سلّط اللهُ عليها بظلمِهم عوامِلَ الهزيمةِ والانكسارِ حتى بدأ التفكّك في أقطارها في داخلها وأصبحت عبرةً لمن يَعتبرُ فكلَّ جبار وطاغيةٍ مهما طال الزمان سينهزم وينكسر ويعيش حَسرة الندمِ بماضٍ أفلَ ليرى الناسُ في العصر الحديث ليخشوا قدرةَ اللهِ على الانتقامِ من الظالمين، فماذا بقي من امبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمسُ، تخشى اليوم من أن تتمزّقَ في داخلها وتنقسم أعضاؤها التي كونت امبراطوريتَها إلى أشلاءَ كلٍّ منها يستقلّ بذاتهِ.

ألا يجب على الجبابرة أن ينظروا إلى بريطانيا العظمى بعد سقوطها  ممزقةَ الأوصال متباكيةً على ماض استباحت فيه أكثرَ دولِ العالمِ استبداداً وظلماً واستعباداً، ألا يجب على الدول العظمى أن تتراجع عن غرورِها وعظمتِها لتعترف أنّ لا عظمة إلا للهِ الواحدِ الجبّار الذي يدّمر الطغاةَ بمعيارٍ عادلٍ في قولهِ سبحانه: «وَتِلكَ القُرى أَهلَكناهُم لَمّا ظَلَموا وَجَعَلنا لِمَهلِكِهِم مَوعِدًا» (الكهف (59)، وقول الله سبحانه: «مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ» (فصلت (46).

فاللهُ سبحانَه بلطفِهِ ورحمتِه يُنذرُ عبادَه بأن يتّبعوا الحقَّ والعدلَ والرحمةَ، ويحذّرهم بآياته لعلّهم يرجعون إلى الله، ويرجعونَ عن ظلمهم للإنسان، يرجعون عن استباحةِ حقوقِ الانسان، يرجعونَ عن قتلِ الانسان، يرجعون الى شرعة الله ومنهاجه في القرآن ويلتزمونَ باتباع آياتِ اللهِ التي بلّغ الناسَ بها رسولُ اللهِ من التعامل بالرحمةِ والعَدل والإحسان واحترام حرية الإنسان، فيما يعتقد ويختار، ونَشْر المحبة والسلام، ففي كل عصر يرسل سبحانه الرسلَ والأنبياءَ ليُذكّروا الناس بنعمة الله ووعده لهم بجنّات النعيم إن يتبعوا كتابهَ وينذرهم إن خالفوا أوامره إن غرّتهم الحياةُ الدنيا ليفسدوا فيها ويُهلكوا الحرثَ والنسلَ، ألا يُدركون بأنَّ عذابَ الله شديد؟ ألا يعلمون بأنّ الله مُطَّلع على أعمالهم؟، كما قالَ سبحانَه: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ» (إبراهيم: 4).

تِلك الآيةُ المذكورة أعلاه تذكير ونذير للناس  ليرجعوا إلى الله؟ حين يستفيقُ الناسُ على غضَب الجبّار، فلا أعذارَ لمن تحدّى الله، ولا تَسامحَ لمن ظلم أحدًا من خلقه، ولا رحمة لمن لم يرحمْ عبادَه في الأرض، ولم يمدّ يده للمحتاج، ويمسح دموع البائسين، ويرفق بالفقراء والمساكين، ويتّقي اللهَ في أعماله، ويطيع الله في أوامرهِ.

فليس بعد آيات الله التي تنذر الناس وتنهاهم عن ارتكاب الظلم والإجرام، لكي يستيقظَ الإنسانُ ويتوبَ إلى الله توبةً نصوحاً يستغفرون ربّهم إنّ الله كان غفورًا رحيمًا، ويرجعون عن ظُلمِهم وإعادة الحقوق للناس، داعين الله مخلصين ومُنيبينَ، لِيلطفَ بهم ولِيرحَمهُم ويتوبُ عليهم، إنه هو التوّاب الرحيم.

فكم من أمم في الماضي سادت بحضاراتها وسقطت وبادت، بعد أن ظلمت وتكبّرت على آياتِ الله فظلَمت نفسَها وضلّت طريقَ الحقّ، فاندثرت هباءً منثوراً ولم تحمها قوّتها وجبروُتها وقوتُها، وتتكرّر الأمثلةُ والعِبَر في العصر الحديث، فكم من أمة ارتقت بعلمِها وسيطرت على غيرها من الشعوب بالطغيان والجبروت، وآمنت بأنها قوةٌ لا تُهزم، غَرتّها قوّتها وتجبّرت بإمكانياتِها، وطغت بانتصاراتِها على الشعوب الضعيفة، لتنهبَ ثرواتِها واكتفت بإيمانها بأنّها قوة جبارة لن يقدر عليها أحدٌ، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، لتأتي قدرة الله من حيث لا يشعرون فَتُحْبطَ أعمالُهم وتنهارُ قوتّهم وتُهزمُ جيوشُهم فتسقطَ عظمتُهم، حينَها سيدركون بأنّ قوةَ اللهِ هي الأعظم، وهي القادرة وحدَها على تدمير أهل البغي والطغيان مهما بلغت قوتهم واستبدّ بهم غرورهم، ليتحوّلوا إلى دول من الدرجة الأولى للدرجة الثانية، بعد أن غضب الله عليهم بما ارتكبوا من الجرائم ضد الإنسان، بظلمِهم وبغيِهم حتى أصبحوا يبكون على ماضيهم وأمجادهم التي اندثرت وبادت.

إنَّه نداء لكل المسلمين، أمام تحذير الله لهم من عقاب أليم فعودوا أيّها الناس إلى رشدكم وأوقفوا اعتداءاتكم على بعضكم تسفكون دماء بعضكم وترتكبون الجرائم بزعمكم أنّ الله يأمركم بها، لأنكم صدقتم الروايات والأكاذيب على الله ورسوله فاستخففتم بآياته وهجرتم كتابه، بعد أن أضلّتكم الشياطين المتآمرة على رسالة الإسلام، ودعوتِها لكم الى الخيرات والرحمة والأمن والسلام ستخسرون في الحياة الدنيا الطمأنينةَ كما قال الله سبحانه: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى ﴿123﴾ وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى ﴿124﴾» (طه: 123-124)، ويومَ القيامةِ ستكونون من الخاسرين، حينها يصفُ بكُّم موقفكم ربكم كما قال سبحانه: «وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» (الأنعام: 27).

حينها لن ينفعَ الندمُ ولا التمنّي ولا نداؤكم لأَئمة المذاهب وصنَّاع الروايات، لينقذوكم من موقف يجعلُ الوِلدان شيباً فيخاطبهم ربهم سبحانه بقوله: «وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ» (الأنعام: 30).

وقوله سبحانَه وتَعالى : «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (فُصّلِت: 53).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *