ديسمبر 23, 2024

قد يظن البعض أن مشكلة الشعب الفلسطيني الوحيدة هي وجود دولة الكيان فوق أرضه .. إنما الواقع أصعب ، والجرح أعمق ، ونزيف الدم المنهمر معلقاً في رقاب كل القادة .. وكل الزعامات .

فلا يخفي علي أحد ما يحدث في واقع القضية الفلسطينية ” قضية العرب ” .. واقع أليم ، وقيادات مشرذمة ، وفصائل متناحرة ، وشعب تفرق دمه بين القبائل ، لا كبير فيهم ولا عاقل ، لا رشيد بينهم يلم الشمل ويحكم قرار الجمع .. حتي باتوا شراذم وغثاء اشبه بغثاء السيل .
وهنا يدق مفكر العرب علي الشرفاء الحمادي كعادته دائماً علي نواقيس الخطر ، يضع بكلمات دقيقة أياديه علي مواطن الوجع ، ويبعث من خلال سطور مقاله ” تحذير للقيادات الفلسطينية من مستقبل مظلم ” ، يبعث برسائل إنذار الي قادة غاب عنهم الرشد السياسي ، وانغمسوا في ولاءات خارجية أضاعت حق الشعب ، وغيبت الحقيقة ، وطمست معالمها طوال سنوات مريرة من الكفاح والنضال لشعب ما زال ينزف دموعاُ ودم .
شعب ظلمته تصرفات القادة وعبثت في مستقبلة حسابات ومصالح وثروات آخرين باعوا القضية وقبضوا الثمن .
وهنا يطرح علي الشرفاء الحمادي اسئلة .. تسيل اجاباتها الدمع من العيون : ألم يحن الوقت أن تكفر زعامات القضية عن خطاياها وتعود لوحدة الصف وتعتصم بحبل الله ؟ ، متي يتوقف الصراع الداخلي وتفكك الجبهات ؟ ، إلي متي يستمر مسلسل الفرص الضائعة التي لا تلد سوى تشرذم وشتات ؟ .
محذرا من مخاطر جمة تهدد القضية بالموت والفناء جراء عدم توافق القيادات وارتباطاتها الخارجية وولائتها الممتدة خارج الحدود .
لقد غرقت حقوق شعب فلسطين في آتون النزاعات والمصالح والحسابات .

حقاً انها قضية «الفرص الضائعة » هكذا يوثق مفكر العرب علي الشرفاء الحمادي رؤيته بأحداث ووقائع تاريخية يبين فيها كيف خسر العرب أرض فلسطين .
فبعد حرب 1948 وإعلان تأسيس دولة الكيان المحتل بدأ النظام العالمي في إيجاد حل لتل القضية وأصدرت الأمم المتحدة القرار رقم (١٨١) القاضي بتقسيم الاراضي الفلسطينية الذي نص على ان تنشأ في فلسطين (دولة يهودية ) وأخرى عربية.. ورغم أن هذا القرار لا يعطي حق فلسطين الكامل لكنها كانت فرصة كبيرة لتحقيق الحد الادني لحقوق الشعب الفلسطيني لكنها ضاعت هباء وذلك نتيجة لعدم وجود من يمثل الشعب الفلسطيني في تلك الفترة ليتخذ القرار واستغل اليهود غياب من يمثل الطرف العربي ومع تقادم الزمن على تلك الفرصة التاريخية قامت إسرائيل بترسيخ الدولة الصهيونية.


في حالة غياب تام من تمثيل الشعب العربي الفلسطيني وانقسم الفلسطينيون فيما بينهم وتشتت شملهم ونشأت أقطاب متعددة كل منهم يدعي انه يمثل الشعب الفلسطيني وهنا واستغلت الدولة الاسرائيلية فرصة الانقسام التي قدمت لهم على طبق من ذهب.
وكانت محاولة جمهورية مصر العربية لرأب صدع الانقسام اثناء رئاسة جمال عبد الناصر للجمهورية العربية المتحدة حيث استطاع إقناع الدول العربية في مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في القاهرة سنة 1970 بتوحيد الجبهات الفلسطينية تحت راية واحدة تمت تسميتها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني وظلت بعض الجبهات تتحرك باسم القضية الفلسطينية بمفردها لان منظمة فتح استأثرت بالقيادة وحدها وتسبب ذلك في صراعات بين المنظمات الفلسطينية ونشأت منظمات عدة لا تجمع بينها أهداف مشتركة ولا يعنيها حقوق الشعب الفلسطيني للمحافظة على وطنه وحماية حقوقه السيادية فوق ارضه والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني.
ويرى علي الشرفاء الحمادي أن تلك المنظمات المنقسمة لم تضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل الاعتبارات حتى صار لبعض المنظمات انتماءات مستقلة مع دول عربية تسير في ركابها دون ادراك بأهمية وحدة القضية والتفاني في التلاحم من اجل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.


إذ غلبت المصالح الشخصية والأنانيات على بعض القيادات مما افقدهم وحدة الصف لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ولم يستفيدوا مما مر عليهم من محاولات تصفية القيادات وما وقع من اجتياح على لبنان لطرد قيادات المنظمة منها سنة 1982 وتم نقل منظمة التحرير وقياداتها الى الجمهورية التونسية ونسوا ما قام به شارون من مجازر وسفك فلم تستدعى تلك الجرائم الضمير الوطني الفلسطيني لحث هؤلاء القادة على جعل المصلحة الوطنية فوق المصالح الشخصية والتنازع على السلطة والمكاسب القيادية حتى وصل الأمر بين المنظمات الأكبر حماس وفتح إلى معارك دامية في غزة سفكت فيها دماء الأبرياء قربانا للهيكل ليتحقق الهدف المقدس لليهود وأتاحت تلك الخلافات وانشغال القيادات الفلسطينية فيما بينهم لتقاسم التركات.
كل هذا التشرذم جعل إسرائيل تتفرغ لتثبيت دولتها وبناء مستوطنة جديد في كل يوم من أجل المهجّرين من أوروبا وما حدث في الأمس لا زال يتكرر حتى يومنا هذا حيث أخذت القيادات الحمساوية قرارا منفردا في ٧ اكتوبر٢٠٢٣ بهجوم مباغت على الدولة الاسرائيلية دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية لتكون الواجهة السياسية لتوظيف الحدث العسكري لصالح حق الشعب الفلسطيني واقامة دولته فتسببت حماس باتخاذها قرارا عسكريا منفردا فى قيام إسرائيل بقتل عشرات الالاف من الأبرياء أطفالا ونساء وعجائز واستباحت كل المحرمات وهدمت العمارات على رؤوس الآمنين ومات الآلاف تحت الأنقاض.
وهنا يتسائل علي الشرفاء الحمادي عن مدى جدوى هذا الهجوم هل كان هذا القرار يتناسب مع النتائج الكارثية التي باتت تهدد تصفية القضية الفلسطينية الى الأبد ويبرز سؤال يحتار فيه العقلاء كيف سيتجاوز الشعب الفلسطيني آثار الدمار وكيف يستطيع استعادة الخسائر وتعويضها وهل ستستفيد القيادات الفلسطينية من تلك المآسي المروعة ليرتفعوا فوق كل الخلافات والأنانيات والمطامع الشخصية التي يسعى كل منهم للسلطة والمصلحة الخاصة احتراما للدماء التي سالت بغزارة تروي أرض غزة دون هدف ودون تقييم للنتائج واحتساب الخسائر اللهم الا أن يتناقل الناس وأجهزة الاعلام اسم منظمة حماس وتردده القنوات العالمية والعربية لإشباع الذات المتضخمة ولم تعد ترى مصلحة الشعب الفلسطيني وقياداتها يعيشون مترفين مع أبنائهم في قطر آمنين على أرواحهم مستمتعين بحياتهم محافظين على ثرواتهم فلا يهمهم عشرات الآلاف من الأبرياء يقتلون ويسحقون تحت أنقاض العمارات . كل هذه الأسئلة المشروعة والتي يجب أن نسألها في أحلك الأوقات يضيف عليها الشرفاء سؤال الوقفة مع النفس وهو : ألم يحن الوقت أن تكفر القيادات الفلسطينية عن أخطائهم والعودة الى وحدة الصف والاعتصام بحبل الله نادمين تائبين عن مواقف أجرمت في حقوق الشعب الفلسطيني وكذلك كيف يستطيعون تجاوز تلك الخلافات والعداوات ليتمكنوا من الاتفاق على المطالبة من مؤتمر القمة العربي بتطبيق المبادرة العربية ومطالبة مجلس الامن باحترام و تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني.

وفي ظل هذا الانقسام المروع يتسائل علي الشرفاء متعجبا من ياترى سيتولى تمثيل الشعب الفلسطيني في المفاوضات الدولية لتنفيذ متطلبات مشروع حل الدولتين حيث إنه حتى هذه اللحظة لا توجد جهة واحدة تمثل الشعب الفلسطيني لاعداد الآليات وتوزيع المسؤليات للحكومة التى ستتولى قيادته وتقوم بالتفاوض عنه ويكون لديها الصلاحيات الكاملة في اتخاذ القرارات التي تحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني خلال المفاوضات لتنفيذ قرارات الدولتين وتحديد الحدود الجغرافية للدولة الفلسطينية التي اتفق عليها المجتمع الدولي والعالم العربي . وتكمن خطورة الفراغ السياسي من وجهة نظر علي الشرفاء في أنه اذا لم يتم تشكيل حكومة مؤقتة تمثل الشعب الفلسطيني في فترة انتقالية تنتهي مهمتها بالوصول الى اتفاق نهائي تحت رعاية دولية وضمان مجلس الأمن بقيام الدولة الفلسطينية فسوف يعطي ذلك لإسرائيل مبررات منطقية لانهاء القضية الفلسطينية وتتكرر مرة أخرى مأساة عدم الموافقة على قرار التقسيم نوفمبر سنة (٤٨) وتنتهي قضية الحقوق الفلسطينية الى الأبد والسبب الجوهري في ذلك هو عدم توافق القيادات بسبب ارتباطاتها الخارجية وولائتها للغير وستكون السبب في ضياع حقوق الشعب الفلسطيني .

وقبل ان يتحقق الامل في مشروع قيام الدولتين يخشى مفكر العرب علي الشرفاء الحمادي من ضياع الفرصة على الشعب الفلسطيني كما ضاعت فرصة التقسيم التي كان من الممكن أن تكون ورقة رابحة يتم العمل عليها لاستعادة الحق الفلسطيني كاملا واذا لم يتحقق ذلك فلينسى الفلسطينيون إذن قضيتهم وليبحثوا عن أماكن أخرى تأويهم او ليرضوا حكم إسرائيل عليهم اذلاء لسلطتهم دون مستقبل أو هوية.
ويحذر الشرفاء من خطورة هذا الضياع موجها حديثه للقيادات بأنه إذا ضاع الوطن وانتهت القضية «لاتلوموا الأقدار ولوموا أنفسكم فقد أغرتكم مصالحكم الشخصية وضيعتكم أنانية السلطة وكل منكم كان يسعى للسلطة جعلتم من الشعب الفلسطيني وأطفاله الذين يذبحون ونسائه الذين يستباحون وعجائزهم الذين يقتلون قرابين في سبيل طموحاتكم وأنانياتكم ومصالحكم الضيقة فذوقوا اليوم ماكنتم تعملون».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *