إن كل الأحكام المتعلقة بالإسلام وشريعة الله في العبادات وأركان الإسلام ما فرّط اللهُ في كتابه من شيء إلا بيّنه للناس بلغة عربية لا غموض فيها ولا ألغاز، ولا تحتاج لتفسيرات شيوخ الدين كما خاطب اللهُ سبحانه رسوله عليه السلام: (وَنَزَّلنا عَلَيكَ الكِتابَ تِبيانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً وَبُشرى لِلمُسلِمينَ) النحل (89).
لذا ليس على المسلم الالتزام بآراء الفقهاء والمفسرين فهي اجتهادات فردية ما أنزل الله بها من سلطان، لا تلزم متلقّيها باتّباعها ولا تعتبر مصدراً رئيسياً لأحكام الإسلام، ومن يريد الاستفسار عن أحكام الإسلام فليرجع إلى القرآن، لأنه قولٌ واحدٌ وليس به قولان، وما يعرضه شيوخ الدين من المفاهيم المتناقضة وما فيها من اختلاف بين مختلف الطوائف الدينية التي تعتمد كل طائفة على مرجعية خاصة بها فلن يجد المسلم ضالته في تفاسير مختلفة ومفاهيم متناقضة.
شريعة الله في العبادات
وأسلم الطرق أن يبحث عن الأحكام في الكتاب المبين، لأنها شريعة الله وكلمات الله أصدق الحديث كما قال سبحانه على لسان رسوله الكريم: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (الزمر: ٢٣)، وقال الله سبحانه أيضاً: ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً) (النساء: 122)، وقال الله سبحانه: ( اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) (النساء: 87)، وعلى أساس هذه الآية على المسلم ألا يصدّق حديثاً غير حديث الله في كتابه المبين، لكي لا يضلّوا عن طريق الحق المستقيم، وتستقطبهم روايات ضالة وأقاويل ما أنزل الله بها من ملائكته عليهم، ولذلك خاطب الله رسوله عليه السلام بصيغة استنكارية في قوله لرسوله: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية: 6).
وقول الله سبحانه لرسوله محدّداً مهمته موضحاً رسالته ليبلغ الناس كتاب الله وآياته مخاطباً الرسول عليه السلام بقوله: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة (67).
لا ينطق عن الهوى
فكيف تقوّلوا على الرسول الأمين كذباً وبهتاناً وهو الذي ينطق بلسانه عن ربه مبطلاً كل الروايات المحرفة على لسانه ظلماً وعدواناً لتنافس الآيات وليتحقق المضللين هجر المسلمين للقرآن كما اشتكى الرسول الأمين لربه وهو يقول: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) الفرقان (30).
كما أن الله سبحانه يوضّح لرسوله في خطاب التكليف بأنه رسول من الله للناس وليس وكيلاً عن الله عليهم في الأرض فأوحى إليه بقوله: سبحانه: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) (الإسراء: 54)، فالله يأمر رسوله ليبلغ الناس بأنه ليس وكيلاً عن الله على الناس، بل رسول يبلغ الأمانة ويشرح لهم مقاصد الرسالة لخير الإنسان ويبيّن لهم مراد الله في شرعته ومنهاجه، مبيناً لهم حكمة الذين اتبعوا كتابه والذين هجروا آياته وكل منهم له جزاءه يوم الحساب ولكل إنسان حريته المطلقة في الإيمان بالله أو الكفر به، وعلى هذه القاعدة سيحاسب الله الناس وحده يوم القيامة.
ليس في الإسلام كهنة
لذلك فليس في الإسلام كهنة ولا مرجعيات ولا شيوخ دين يقررّون ما يفعله الانسان، الذي آمن بالله وأطاع الله ورسوله فيما كلّفه الله إبلاغ الناس بلسانه الشريف كما قال الله سبحانه (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ) مريم(97)، الذي يبين للإنسان آيات الله تحذير الناس بعدم إتباع أقوال البشر وأحاديثهم ولا يصدق افتراءاتهم على الله ورسول الله بالروايات غير ما يبلغه للناس رسول الله بما جاءت به الآيات في القرآن الكريم، وكل إنسان مسؤول عن نفسه في الحياة الدنيا ويوم القيامة تأكيداً لقول الله سبحانه في قرآنه بقوله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر: 38).
وقول الله سبحانه يصف فيه موقف الإنسان يوم الحساب بقوله: (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلزَمناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنُخرِجُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتابًا يَلقاهُ مَنشورًا ﴿13﴾ اقرَأ كِتابَكَ كَفى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ حَسيبًا ﴿14﴾ ) الإسراء (13-14)، فلن ينفع الإنسان حينها شيوخ الدين والفقهاء وأتباع المفسّرين، لذلك فليرفع الأوصياء على الإسلام من علماء التفسير والفقهاء وشيوخ الدين وصايتهم ورقابتهم عن المسلمين وليتركوا الناس أحراراً في إختيار عقائدهم التي منحهم الله في كتابه المبين حرية الاختيار في أديانهم، تأكيداً لقول الله سبحانه مخاطباً رسوله الأمين: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29).
وقول الله سبحانه مخاطباً الرسول: ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99).
تحذير من الله تعالى للناس
إذن بمقتضى تلك الآيات يحذّر الله بعض المسلمين من أن يعينوا أنفسهم أوصياء على الناس، وعلى أداء شعائرهم للعبادات ويمنع إكراه الناس على اتباع اجتهادات بشرية وأقولاً مرويةً وأوهاماً يخدعون بها المسلمين بوعود كاذبة ليكونوا من الذين يرضى الله عنهم، ويدخلهم جنات النعيم، إضافة إلى تناقضات المفاهيم للمذاهب المتعددة والتي تنافس كل مرجعية بأنها أصدق من المرجعيات الأخرى، وكل مرجعية تطعن في صحة مرجعيات غيرهم من الطوائف والفِرق وكلٌّ منهم يدَّعي أنّه الأقرب إلى الله وهم من الصديقين وغيرهم انسلخوا من الإسلام وأصبحوا من أهل النار.
وتستمر المزايدة بينهم وكل منهم يحشد له الأتباع استعداداً للصدام مع الطوائف الأخرى؛ يضعون تشريعات مستندين إلى مفاهيم مغلوطة ومتعمدة للنيل من الذين لا يتبعون عقيدتهم بالعقوبات المختلفة حتى يصل بهم الأمر إلى تبرير قتل الأبرياء في سبيل الله ويكسبهم رضى الله لينالوا الجنة وحُورَ العين والخلود، وقد حذرهم الله سبحانه من خداع المسلمين بقوله: (يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )( البقرة :9).
عقاب الذين يكتمون ما أنزل الله
ثم يحذِّر الله الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات في الذكر الحكيم بقوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)( البقرة :159).
وهكذا تضيع رسالة الإسلام الطاهرة بين الجبابرة وبين النفوس الماكرة وبين الذين لا يخشون حساب الآخرة وبين مؤلفي الروايات الخادعة وبين المضلّلين بتشويه رسالة الله للمسلمين. ويتولى المخادعون تحريف كلام الله وتزوير شريعته وتغييب مقاصد آياته لمنفعة الانسان وصلاح أمره في الحياة الدنيا لينعم في حياته في عيش كريم وفي الآخرة جنات النعيم ولذلك أراد الله أن يحصّن المسلمين بقوله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران (103).
وتأكيداً لمراد الله يخاطب سبحانه الناس جميعاً يأمرهم بقوله: (اتَّبِعوا ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أَولِياءَ قَليلًا ما تَذَكَّرونَ ) الأعراف (3)، كما يؤكد الله سبحانه على رسوله الأمين بما ينطق به الرسول عن ربه بالتمسك بالقرآن الكريم بقول الله يأمره: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿43﴾ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴿44﴾) الزخرف (43-44).
الأمر بالتمسك بكتاب الله المبين
فالله يأمر رسوله ويأمر المسلمين بالتمسك بكتابه المبين فقط ليحميهم من المنافقين وأصحاب الهوى والشياطين، الذين كرَّسوا حياتهم وأفكارهم باضطهاد المسلمين وتحريف رسالة الإسلام بالعبث في تفسير آيات الذكر الحكيم، وكل فرقة تتعصب لمرجعيتها وتسوق بعض المسلمين نحو عقيدتها، كما يسوقون الأنعام ويخدعونهم بالأوهام بحور العين والبنات الحِسان وبالجنة يقدمونها لأتباعهم مجاناً بكرمهم وبالإحسان، ليضحّوا بأرواحهم وأموالهم وأسرهم لحساب الشيطان يستدرجهم يوم القيامة إلى نار جهنم، بعد أن ضاع منهم كل سلطان فخارت قواهم ولم يدركوا أن الله ليس بغافل عن الذين أجرموا في حق الله وحق الإنسان والله يخاطب رسوله بقوله سبحانه: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (إبراهيم: 42).