يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة طه تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (123) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (124)) طه.
توضح الآية الكريمة أن هدى الله هو القرآن، الذي إذا أعرض الإنسان عن تلاوته والتدبر في آياته ومعرفة مراد الله فيها من خير وصلاح لعباده ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليعيشوا سعداء آمنين في الحياة الدنيا ويأمنو الحساب فى الآخرة، تحكمهم التشريعات الإلهية، التي تدعو للرحمة والعدل والسلام بين جميع خلقه مِن بني الإنسان، متبعين قيم القرآن والفضائل الإنسانية من عدم الظلم، واحترام حقوق الانسان التى شرعها اللع فى كتابه المبين وعدم أكل أموال الناس بالباطل، وتحريم قتل النفس التي حرّم الله، ومَدْ يَدِ المساعدة للفقراء والمساكين، ونشر التعاطف بين الناس، وإسعاف المرضى وإغاثة الملهوف، وكثير من الأخلاقيات السامية التي يدعو القرآن الناس للتمسك بها سلوكًا وعملًا صالحًا لبناء مجتمع السلام دون حقد أو غِلٍ أو حسد أو عداوة أو بغضاء، مجتمع لا يوجد فيه بائس ولا فقير، ولا جبار فيه ولا حقير، كلهم إخوة في الإنسانية، ربهم واحد وخالقهم واحد وكتابهم واحد القران الكريم وامامهم واحد الرسول الأمين وحسابهم يوم القيامة عنده، لن يفرِّق بين غني وفقير، ولا نبي ولا سلطان، ولا جبار وضعيف. فالجميع يقفون بكل الذل والخشوع أمام رب الناس وخالق الكون لا يمتلكون شيئًا من أمرهم.
حيث يصور للناس رب العالمين ذلك الموقف الرهيب بقوله: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
ويضع أمامهم خارطة طريق لتهديهم الطريق المستقيم لايضلون فيه ولايخدعون وحين تقوم الساعة يوم الحساب فهم آمنون حيث يخاطب الله الناس بقوله سبحانه: (الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) البقرة.
وقوله تعالى: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).
وقال سبحانه في وصف القرآن: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ).
وقال تعالى: (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ).
وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).
وكثير من الآيات الكريمة التي تصف القرآن بالهدى وتحذر الذين يكتمون ماأنزله الله على رسوله من الآيات البينات ليصرفونهم عن الكتاب والذكر الحكيم .
وقد أمر اللهُ رسولَه بإيصال بابلاغ هُدَي القران للناس لينير لهم طريق الحياة في الدنيا، وليعملوا عملًا صالحًا ينقذهم مِن عذاب النار يوم الحساب، أي أن القرآن خارطة إلهية تُعين الإنسان على تحقيق طموحاته في حياة كريمة، وتساعده على مواجهة الصعاب بالإيمان والصبر والثقة في وعد الله، حيث يقول سبحانه: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب).
إن كل ما يتعلق بالتراث الديني الكارثي الذي تسبب في تفرقة المسلمين وتشتيتهم الذى اعتمد على الروايات مرجعا رئيسيالمذاهب السابقين وتفسيراتهم احيط بها الهوى والتحريف لدين الرحمة والسلام.
وهو كارثة بكل معنى الكلمة، وما تم اختلاقه كذبًا وتزويرًا على رسول الله نتج عنه تشويها لأهداف الآيات التي جاءت في القرآن الكريم، وما فيها مِن مقاصد الخير والصلاح والمنفعة لكل الناس، وما تضمنته مِن تشريعات وعظات وأوامر ونصائح وأخلاقيات لو اتبعها المسلمون لأصبحوا قادة لركب الحضارة الإنسانية، تقدمًا وعلمًا ورحمةً وعدلًا وحريةً ومساوةً وإحسانًا وتسامحًا، وتعاونًا بين جميع خلق الله على البِر والمنفعة لتحقيق الاستقرار للمجتمعات الإنسانية في كل مكان، يسودها الأمن والسلام على شريعة العدل الإلهي.
وحين طغت الروايات على الآيات، تَفرَّقَ المسلمون إلى طوائف وفِرَقٍ يقاتل بعضُها بعضًا، وما حوته من سموم تشرَّبتها العقول حتى أصبحت مراجعا لطوائف مختلفة ومذاهب متناقضة ومتصارعة كل يعتبر نفسه هو الفئة المؤمنة الوصية على رسالة الاسلام وغيرهم من الطوائف على ضلال وكفر وردة ولابد من قتالهم.
فعلى المسلمين ألّا يعتَّدوا بذلك التراث ولا يعيرونه اهتمامًا، ويلقون به في زوايا النسيان لِما خلَّفه للمسلمين من عقائد فاسدة أدت إلى الاستبداد والطغيان، وما جرَّ عليهم من اقتتال دام أكثر من أربعة عشر قرنًا تمزقًا وتفرقًا، أسالُوا بها دماء الأبرياء، وقطَّعوا الأرحام، وداسوا على كل قيم القرآن، ونسوا أمر الله سبحانه وتحذيره بقوله في سورة طه: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123)) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124).
بالرغم ان الله سبحانه أمر الناس في سورة الأعراف: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (3))
حتى لا يضلوا وتستهويهم الشياطين وينسوا الله وعندما نسوا الله وهجروا قرآنه أنساهم أنفسهم؛ فتاهوا بين الفقهاء والمفسرين الذين استحدثوا فتاوي وآراء فى اغواء المسلمين لأحاديثهم وكتبهم وأقنعوا الناس بأنها السبيل الوحيد لمعرفة الناس لدينهم حينما جعلوها تحل مكانة الهدي الإلهي في قرآنه الكريم.
فلم يتبعوا ما أنزل الله في كتابه المُبِين، إنما اتبعوا ما ترويه الشياطين وأعداء الإسلام ليعيش المسلمون في ضنك وشقاء وبؤس ومعاناة منذ وفاة الرسول عليه السلام إلى اليوم، تزداد الفرقة بينهم تغذيها أيادٍ حاقدة على رسالة الإسلام، كارهة ما يتمتع به الوطن العربي من ثروات طبيعية كالبترول والمعادن وكثير من نعم الله، ليستطيعوا نهب تلك الثروات واستعباد شعوب المسلمين كما حدث في الماضي.
فالله سبحانه في كتابه الكريم يأمرهم بالوحدة والاعتصام بكتابه فيقول سبحانه جل وعلأ: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا ).
ويحذرهم من التنازع بينهم بقوله سبحانه: (وأطيعوا الله ورسوله ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين ) الأنفال (46)
إن الحوادث التاريخية تؤكد ما تسببت فيه الروايات مِن كوارث على الإسلام والمسلمين، وعدم إتباعهم ما أمرهم الله به، وحذَّرهم مِن إتباع غَيرِه من فقهاء وأولياءحتى لايضلوا طريق الهدى وما سيصيبهم مِن جراء هجر المسلمين للقرآن الكريم من حياة البؤس والمعاناة والضنك واستعباد الأمم الأخرى لهم والسيطرة على مقدراتهم واستباحة حقوقهم.
ولذلك إن أراد المسلمون أن يصلح اللهُ أحوالهم أن يرجعون إلى الإسلام الحق وليس المشوَّه بالروايات والإسرائليات والخرافات و عليهم التمسك بكتاب الله وآياته، تأكيدًا لقوله تعالى مخاطبًا رسولَه الكريم في سورة الأعراف: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ).
هذه الآية توضح الأمر الإلهي للرسول التمسك بكتاب الله وحده، وأنه أيضًا يشمل قومه الذين سيبلغهم بآيات ربه، وسيسألهم الله جميعًا عنه يوم القيامة: هل أتبع الناس كتاب الله وما جاءت به آياته البينات من تشريعات وعِظات وأخلاقيات ومعاملات؟ أم هجروا كتاب الله ونسوا آياته؟
وسيتم الحساب يوم القيامة على منهج القرآن وليس على قاعدةإتباع الروايات التي أخذتهم بعيدًا عن كتاب الله، حيث يقول سبحانه على لسان رسوله في سورة الذاريات: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (51)) فلن ينفعكم يوم الحساب الشيوخ والأئمة وأحاديث السنة، إنما الملجأ الوحيد لكم كتاب الله وآياته كما بلغ الرسول الأمين جميع الناس في عظاته وتلاوته ودعوته لاتباع كتاب الله وتذكيره لهم بالقرآن الكريم كما أمره ربه سبحانه في قوله: ((فذكر بالقرآن من يخاف وعيد).