ديسمبر 23, 2024

إنه على مدى أربعة عشر قرناً لم يستطع المتآمرون أن يبدلوا من آيات القرآن أو يضيفوا إليها ، أو يضعوها تحت تحكيم العقل من حيث المصداقية أو يبينوا فيها ضعفاً في المقصدِ والمعنى والمبنى ، لأن الله سبحانه تحدى الناس بقوله: «وإن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ ، وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كنتُمْ صَدِقِينَ» (البقرة: ٢٣) كما تعهد الله بحفظه في قوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ» ( الحجر: ٩). ولن تخضع آياته للشكوك والظنون، مهما حاول المجرمون، ولن ينجح أعداء الإسلام في محاولات التزوير والافتراء على آياته ودعوته لخير الإنسان ليخرجهم من الظلمات إلى النور والله سبحانه يتحداهم بقوله: «يُريدون أن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرَة الْكَفِرُونَ» (التوبة: ٣٢).

أما الروايات التي أطلقوا عليها الأحاديث، فهي أقوال بشرية وروايات إسرائيلية وأساطير مروّية ، افتريت على رسول الله تستهدف هجر المسلمين للقرآن ، وما يدل على تلك الافتراءات حين تصبح الأحاديث موزّعة على أكثر من «٤١» نوعاً ألفها شياطين الإنس صنعها وقسمها وصنفها ضعيفو الإيمان من البشر ، نشرتها وسوقتها للناس قوى شريرة خفية تستهدف النيل من القرآن وعزله عن المسلمين ، ليتوهوا بين الروايات حيث يشتكي الرسول عليه السلام الى ربه في قول الله سبحانه: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَرَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا» (الفرقان: ٣٠).

فقد نجحت المؤامرة على الاسلام وشوهوا موقف الرسول عليـــه الـسـلام الذي كلفـــه الله بتبليغ آياته للناس ، وشرح مقاصدها لسعادتهم وخيرهم في الدنيا وجزاؤهم بما يعملون من الصالحات بطاعة الله ، واتباع کتابه وتطبيق تشريعاته وسلوك منهاجه بالقيم النبيلة والأخلاق الفاضلة ، من رحمة وعدل وإحسان ، وتعاون لتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمعات الإنسانية في كل مكان ليتهموا الرسول بتناقض أقواله فيما يبلغها للناس بما يخالف خطاب التكليف الإلهي ويحاولون إضعاف مصداقيته، فافتروا عليه بتأليف الروايات لتنافس الآيات وخلق حالة ضبابية عند الناس من الحيرة والشك بين الآيات البينات التي يتلوها عليهم رسول الله ، وبين الروايات المتناقضة مع آيات الذكر الحكيم ، فأحدثوا التباساً خطيراً في عقائد الناس وعقولهم ، التي آمن بها اتباع الروايات المسماة بمصطلحات مختلقة بالأحاديث ، وارتضتها نفوسهم المريضة في عباداتهم لسهولة اتفاقها مع النفس الإنسانية ، تشبع غرائزها بلا عناء في مجاهدة النفس وكبح جماح شهواتها وقيادتها وتحرضها على الخطأ والخطيئة فسيغفر الله لهم بمجرد كلمات تلفظ الألسن.

كما خدعوا المسلمين بتلك الروايات الملفقة التي تتعارض مع الآيات في الكتاب المبين ، ولا تتفق مع المنطق وشروط المؤمنين الذين سيدخلهم الله إلى الجنة تبين أكاذيب المندسين باسم الاسلام لتنفيذ أهدافهم الخبيثة في تشويه سمعة الرسول والنيل من مكانته رسولاً من الله للناس أجمعين ، يتخاطب معهم بالعقل ويدعو الناس للتفكر في دين الله بكل الحرية ليميزوا بين الحق والباطل باتباعهم لما يهديهم سبيل الخيرات والرشاد ، ويحقق للناس الأمن والاستقرار والسلام في الحياة الدنيا فيما يبلغ بدعوته الناس من آيات الذكر الحكيم. لقد أقنعوا الناس أن من يتبع الروايات وما تخففه على الإنسان من جهد وعمل وما تمنحه من تسهيلات في الالتزام بشرعة الله ومنهاجه وعدم التمسك بآيات القرآن العظيم التي تدعوهم للارتقاء بالإنسان إيماناً وأخلاقاً وعدلاً ، جعل المحدثون والفقهاء والمفسرون يخدعون المسلمين يكتفون بألفاظ معينة ، تنطقها ألسنتهم دون اعمال الفرائض وتطبيق الشريعة الإلهية واتباعهم للمنهاج الرباني يكفل لهم أئمة الإسلام وشيوخ الدين أجراً عظيماً ويدخلون بها جنات النعيم، دون تطبيق الفروض كما أمر الله ، وما تتطلبه من إخلاص وصدق مع الله، وتنفيذ عهد الانسان مع ربّ العالمين، من جهادِ النفس وحملها على الالتزام الكامل بتطبيق شريعته ومنهاجه.

وقد استسهل اتباع الروايات التي تحقق لهم الأحلام الواهمة ، بدخول الجنة مثل بعض الروايات التي ينسبونها للرسول عليه السلام في قوله: (من صلى علي في يوم ألف مرة لم يمس حتى يُبَشِّر بالجنة) ، لأنّ النطق باللسان أسهل عند الإنسان من مجاهدة النفس والشيطان ، وتحمل أعباء رسالة الإسلام في القرآن وما يتطلبه من المسلم الالتزام بالتشريع الإلهي وتطبيق المنهج الرباني وما يتطلبه من مجاهدة النفس والسيطرة على غرائزها ، لذلك فإن النطق باللسان أسهل للإنسان بالصلاة على النبي ألف مرة طالما الجزاء بالجنة مضمون فمن الطبيعي أن مضمون الروايات أكثر ميلاً للنفس والتخفيف على المسلم من أية أعباء تتطلب مجاهدة النفس ، لتستوعب شروط تحمّل مسؤولية الرسالة الإسلامية في الالتزام بالتشريع الإلهي وتطبيق المنهاج الرباني سلوك حياة ومعاملات في الحياة الدنيا. ولكن المصيبة التي سيواجهها الانسان يوم الحساب، حين يسمع من يخاطبه ماذا قدمت في حياتك من عمل الصالحات، فيرد الإنسان نادماً: وَجىء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِكْرَى يَقُولُ يَلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِلحياتي) (الفجر: ٢٣-٢٤).

لقد التبس الأمر على الناس بما سببته لهم الروايات المفتراة على الرسول بين الفعل والقول ، فسنّة الرسول هي كل صفات الفضيلة التي وردت في القرآن الكريم والقيم النبيلة التي أراد الله له أن تكون سلوك سيرته بين الناس ، في تعامله معهم وعلاقاته بهم ودعوته لهم بالحكمة والموعظة الحسنة للدخول في الإسلام ، لأن السنة تطبيق عملي في كل ما ورد في القرآن الكريم من تشريعات ومنهاج أخلاقي ومعاملات راقية بتشريع رباني ، ليتأسى المسلمون بالرسول الأمين ويتبعوا ما يبين لهم من العمل الصالح ، ويحذرهم من طريق الباطل حرصاً على الناس من الوقوع في براثن الشيطان وغواياته حيث سيؤدي بهم الى الخسران في الحياة الدنيا ويوم الحساب كما قال الله سبحانه وتعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (الأحزاب: ٢١). والأسوة هي السيرة والمعاملة السلوكية، تطبيقاً للآداب القرآنية، والسنة الحقيقية والفعلية هي القدوة، والقدوة عمل ، فالله يريد لعباده أن يقتدوا بسلوك الرسول في أخلاقياته وتعامله مع كل الناس ، دون تمييز (بالرحمة والعدل والإحسان والسلام واحترام حقوق الإنسان في معتقداته ، وفي حقه في حرية اختيار الدين الذي يرتضيه والمحافظة على حقه المقدس في الحياة والالتزام بعدم العدوان عليه بكل الوسائل وغيرها من القيم السامية التي وردت في آيات الذكر الحكيم).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *